عنايت عطار من فستان قمح إلى جسد غيمة أنثى

الكاتب: إبراهيم إبراهيم

” Înayet yê Hemedî Êtêr ” باللغة ” البريمجاوية “1  الكردية العفرينية ” Kurmancî “، عنايت عطار باللغة العربية، Inayat Attar  بالفرنسية والإنكليزية..!!  المناداة باسمه يأتي بعدة حركات كتابة وصوتية مختلفة، لكن.. كل اتجاهاتها تسير نحو مساحات الله الواسعة، لتتجاوزها إلى حدود اللانهاية الممتدة من نينوى الشمال إلى عفرين الشمال..!! اسم يحكمه جمال اللون وروح الفكرة وشفافية الحركة التي ترسمها رائحة الغبار المكدس بين أصابعه بخطوط تنسحب من فستان قمح لجسد غيمة انثى تغني “خج وسيامند “2  أو ربما “زين وزينبه”، ثم تبدأ قصص الزبيب والمواقد والحانات بين عفرين وحلب والرقة السوريتان إلى ليون و مونت كارلو إلى مدينة الأضواء ..!! ثم ليحمل جعبة طباشيره الملونة بماء الأنثى، مهتدياً ببصيرة الموسيقا والظل والضوء والحركة إن “عنايت” لم يتفق كثيراً مع النزعة التي تمجد العلم وسيطرته على مفاصل الكون، فقد كان يرى أن الفكر ليس له أن ينتظر شيئاً من العلم..!! لذلك كان عنايت يعتقد بقوة أن الفن هو خروج عن المحدودية القاعدية، التي هي أساس العلم، وكان يردد دائماً مقولة إن “الإنسان بوصفه روحاً، هو المعاصر للعلو الذي يخترقه”. “جورج شمعون”3.

منح عنايت عطار دفء الشرق لجماد الغرب عبر لمساته وألوانه وتقاطيع جمله الجمالية الهادئة والشغوفة بالحب والمواقد ورغم ذلك لم تخلوا من الوقائع المثيرة لتربك العقل بالأسئلة باحثة عن أجوبة لا تقل اسبتداداً بالعقل نفسه وتصارعه بفضول يُربك ساكني لوحته من البشروالمستظلون بظل نقاط اللون وتداعيات خطوط النبيذ ليراقص أصابعه المتعبة بعفرين وزبيبه وزيتونه ونسائه اللاتي ارتدين قلبه.. تسحبه الريشة في فم رقصة الخط باستقامة ممتدة في كهولة تجربة تشكيلية تضيء محيط مدن الصخب، مازالت الريشة ترسم قصيدة انكسار وتلتف على خاصرتك لتلقي بك في مساحات أكثر اتساعاً من التاريخ لتمتص تنهدات كانت ترتديك للتو..!! وتعقد أمتعتك للرحيل في رحلة الأسئلة المستبدة بأشيائه والملقاة في حانات الجنون .! 

يقول ” جاك ألتراك ” الناقد التشكيلي الفرنسي إن “رسوم  عنايت  جذابة، فاتنة، حية وديناميكية، إنها لا تروي التاريخ، ولا تعبّرعن فعل..!! فقط تحرض مخيلتنا، وتأسرنا في حدود خارطة من الأسئلة”.‏

امتلك “عطار” الكوردي الحلبي والأكثر حضوراً في عالم التشكيل شهرة عالمية، ولاقت تنهداته المرسومة بالمرأة وفساتينها المبللة بالخطوط المزيلة بلاحقة الحكايات واللون وبيانات الجسد المرسوم فقط بالعناوين..!! العناوين التي تستحضر التفاصيل الداخلية للوحاته إلى مخيلتك وكأنك جزء من عمق اللوحة نفسها  دون أن تراه بالعين المجردة، وهذا ماكتب عنه الناقد السوري طاهر البني بأن المشاهد لأعمال عنايت عطار يستطيع أن يلمح ماهية التشخيص المبسّط من خلال التركيز على الجسد بمظهره العام وتجاهل التفاصيل والجزئيات فيه، حيث يبرز الوجه في الوقت الذي تغيب فيه العيون والأنف والشفاه، كما تبرز الأطراف في حركة انسيابية تختفي فيها تفاصيل الأرداف والأصابع، وهذا التركيز على الكتلة الكلية، يفسح المجال أمام اللعب باللون وتدرجاته، كما يحفّز المتلقي على التأمل، واستحضار علاقات الغياب في اللوحة، عبر علاقات الحضور المجسّدة أمامه، وتبدو الألوان سيدة التكوين، حيث تذوب فيها الأجساد والمساحات مشكّلة قصيدة بصرية في تناغمها ودلالاتها.

وعن مساحات عنايات البيضاء عن تلوينه وتكوينه وظلاله وعن نوافذ الصباحات التي يفتح “عطار” أزرار صدرها يغامر الفرنسي “جاك ألتراك”: لانستطيع تحديد أي فعل يومي أو وظيفي مع نساء العطار، لا نعرف أين يذهبن ومن أين يأتين وماذا يفعلن كما الملائكة … مطلقات في الريح خارج الجاذبية الأرضية. 

تقود المرأة في معادلة عنايت الكونية ليس فقط مسارات قصصه مع اللون والخط والموضوع والريشة وأناقة جنونه بل تتعداه إلى سلوك المفردة الشعرية ومشهده الذي انطلق من شذرات طاغور “الهند”  ويراعاته التي جسدت صوراً عن الحب والحياة والجمال والمقدس كما “عنايت عطار” في توصيفاته الاستثنائية الجميلة للمرأة وقدسيتها: لا … لا …  أيها الصديق، لقد أخطأت الترتيب، والنسبة والدلالة..! بل الأزرق والأصفر والأخضر والأحمر لها وحدها، للمرأة التي أحب وأعشق، وللمرأة التي أرسم وأتخيّل..! لا مسافات، ولا حدود، لا تقل لي إن المرأة رمز للوطن، أو للبحر، أو للكرامة، أو للحب..! لا أبداً أيها الصديق..! فالمرأة عندي هي البحر والوطن والأفق والكرامة والحب والغيرة، والحزن والجنون أيضاً..! وقد امتزجت في سيمفونية لونية واحدة متكاملة ومتناغمة..!.

ولد الفنان التشكيلي “عنايت عطار”، عام /1948/ في قرية ”  Birîmc”  بالكوردية و بريمجا باللغة العربية في شمال غرب مدينة عفرين السورية والمحتلة من قبل تركيا والتابعة لمحافظة “حلب”، وفي عام /1970/، انتقل إلى مدينة “الرقة”، وهناك ساهم مع زملائه من الفنانين التشكيليين، بتأسيس تجمع فناني “الرقة”، وأقام عنايت عام /1981/، أول معرض فردي له في صالة المركز الثقافي في مدينة “الرقة”، وأمضى أكثر من ثلاث عشرة عاماً هناك قدم خلالها الكثيرمن الأعمال الفنية، التي ساهمت برفد الحركة التشكيلية في مدينة الرقة، وفي بداية التسعينات، سافر إلى فرنسا، واستقر في مدينة انجيه ” Angers ” الفرنسية. 

أقام العديد من المعارض  العشرات من المعارض الفردية والمشتركة في عدد من أهم العواصم العالمية وخاصة في باريس “مدينة الأضواء  بالإضافة إلى معظم المحافظات السورية قبل انتقاله إلى فرنسا”، شارك في عام 1988 في بيانال العالمي للفن التشكيلي  في الشارقة، حيث صدر كتاب على هامش المعرض بعنوان الشعرية في الفن، وهو عبارة عن مجموعة مقالات للفنانين حيث فازت مقالة عنايت عطار بالجائزة الأولى.

شارك في مهرجان تونس للفن التشكيلي على مدار عامين متتالين 2010 – 2011، وفي مهرجان اسطنبول للفن التشكيلي عام 2016، وصلت أعمال عنايت عطار إلى القصر الكبير كون غري اللاصق للمتحف اللوفر، أعماله الآن تزين جدران البنوك والشركات والبلديات والجمعيات في فرنسا. له الكثير من عشاق ومتابعي ومقتني أعماله الفنية، وبيعت لوحاته التي تجولت ريشته من خلالها لترسم المدن والمرأة والطبيعة في مزادات علانية لصالح الجمعيات الخيرية التي تعمل في خدمة الإنسانية.

عنايت عطار:
– عضو نقابة الفنون الجميلة في سوريا.
– عضو جمعية الفنون البصرية في فرنسا spadem 
– عضو جمعية أصدقاء الفن في “نانت”.
– عضو نقابة الفنانين الفرنسيين.
– عضو منظمة اليونيسكو للفنانين العالميين. 

1 نسبة لـ ” بربمجا بالعربية أو  ” Birîmce ” بالكردية وهو اسم قرية الفنان عنايت عطار تقع شمال غرب عفرين في روج آفايبه كوردستان
2  أسمين كرديين لأبطال الملحمة كردية ” خج وسيامند ” منتشرة في أنحاء بلاد الكرد تروى غنلئياً 
3 فنان تشكليلي سوري في مدونة وطن / سوريا