تقرير حقوقي… شهادات تروي خمس سنوات من الانتهاكات والظلم في إقليم عفرين المحتل
أصدرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بالاشتراك مع منظمات “رابطة تآزر للضحايا” و“بيل- الأمواج المدنية” و“جمعية ليلون للضحايا“، في 13/11/2023، دراسة استقصائية عن الانتهاكات ضد الكرد المسلمين والإيزيديين في شمالي سوريا، بعنوان “عفرين ــ خمس سنين حاجة ظلم!”
واستند التقرير المشترك إلى تحليل 40 إفادة وشهادة جُمِعَت خلال أشهر آذار/مارس ونيسان/أبريل وأيار/مايو 2023، حول انتهاكات جسمية لحقوق الإنسان وقعت في إقليم عفرين المحتل. وتزامنت الشهادات من ضحايا وناجين ومتضررين من زلزال 6 شباط/فبراير 2023، مع مرور خمس سنوات على خضوع الإقليم لسيطرة عسكريّة مباشرة من قبل الجيش التركي إلى جانب ميليشيات سوريّة ووقوع زلزال مدمّر، وشهدت الاستجابة له انتهاكات واسعة ومتكررة أثناء وعقب تلك التدخلات.
بحسب الإفادات فقد تورطت عدد من ميليشيات “الجيش الوطنيّ” التي تدعمها تركيا، بالانتهاكات التي تم توثيقها، لكن أسماء ميليشيات معينة تكررت بشكل أكبر عن البقية، منها؛ “الحمزة/الحمزات” و”السلطان مراد” و”فيلق الشام” و”الجبهة الشامية” و”جيش الشرقية” و”أحرار الشرقية” و”جيش النخبة – قطاع الشمال” و”نورالدين الزنكي” و“الشرطة العسكرية”. إضافة لجهاز “الاستخبارات التركية” المسؤول عن حالات تعذيب وسوء معاملة وإهانة.
وكشفت الإفادات والشهادات التي ينحدر أصحابها من معظم نواحي عفرين، أنّ تهمة العمل مع مؤسسات “الإدارة الذاتية” التي كانت مسيطرة على الإقليم حتى عام 2018، والانتماء لـ”حزب العمال الكردستاني”، كانتا ذريعتان أساسيتان لاعتقال وتعذيب العديد من السكان الكرد، إضافة لاستخدامها حجّة للاستيلاء على ممتلكات بعضهم الآخر ومنعهم من العودة إلى منازلهم وأراضيهم.
وأشار التقرير إلى أن تهمة العمل ضمن مؤسسات “الإدارة الذاتية”، أثناء فترة وجودها بالإقليم، قد تنسحب على نسبة كبيرة من سكان عفرين، لأن الإدارة السابقة وعلى مدى سنوات كانت الخيار الوحيد للسكان للتعامل معها لتسيير مناحي وأمور حياتهم اليومية، سواء للحصول على تراخيص أو أوراق ثبوتية أو طبابة أو الدراسة والتدريس والجامعة أو الحصول على فرصة عمل ضمن مؤسساتها.
وبيّنت إفادات أخرى، أنَّ الاستيلاء على ممتلكات السكان الكرد إضافة للاعتقال والتعذيب، لم ينحصر بالأشخاص المتهمين بالارتباط أو العمل مع الإدارة الذاتية، بل طال آخرين، كان بعضهم من معارضي الإدارة الذاتية نفسها. واستخدمت ميليشيات أساليب تعذيب لإجبار المعتقلين على الإدلاء باعترافات عن أنفسهم أو أقاربهم وجيرانهم.
ورد في التقرير 10 إفادات عن عمليات استيلاء ميليشيات على منازل وعقاراتٍ تعود ملكيتها لمدنيين في مدينة جنديرس وريفها، بينها حالات تمّ فيها إسكان عوائل مسلحين من الميليشيات، أو تأجيرها لمستوطنين من مناطق أخرى، وألحق زلزال 6/2/2023 خسائر فادحة بالمدينة، وتسبب بأضرار لبعض المنازل، إمّا كليّاً أو جزئيّاً، وتحولت المتضررة جزئيّاً منها إلى مساكن شاغرة، بعد خمس سنوات من الاستيلاء عليها، فيما أزيل ركام المساكن المهدمة كليّاً ولم يتبق منها غير محاضرها، وعبّر مهجرون قسراً من أصحاب هذه المنازل في إفاداتهم، عن خشيتهم من عملية إعادة استيلاء، قد تحدث هذه المرة، على محاضر عقاراتهم المتبقية بعد الزلزال بحجّة التعافي المبكّر أو إعادة الإعمار، ما قد يفقدهم حقوق ملكيّتها للأبد.
ووثق التقرير عمليات استيلاء واسعة على ممتلكات من المواطنين الكرد الإيزيديّين، شملت استيلاء على منازل وبساتين زيتون ومحال تجاريّة، جرى تحويل بعضها إلى مقار أو قواعد عسكريّة، فيما تمّ إسكان بعضها بعوائل مسلحين من الميليشيات وعوائل مستوطنة من مناطق سورية أخرى.
فعلى سبيل المثال، استولت ميليشيا “الجبهة الشامية” على كامل قرية بافليون بناحية شران، وهي قرية جميع سكانها من الإيزيديين، الذين منعوا من العودة إليها، وجرى توطين نازحين سوريين من مناطق أخرى مع عائلات عناصر الميليشيا في منازل القرية، وفق إفادات نازحين من سكانها.
توضح الإفادات أن عمليات الاستيلاء على الممتلكات والمساكن والأراضي والعقارات، تمت لأغراض عديدة، منها لإسكان عوائل مقاتلي ميليشيات من “الجيش الوطني”، أو لغرض تأجيرها وإسكان نازحين من مناطق سورية مختلفة فيها، أو لتحويلها إلى مقرات للميليشيات أو لقواعد عسكرية تركية، كما تم تحويل مبنى سكني واحد على الأقل إلى مرفق خدمي من جانب منظمة مقرّبة من تركيا، فضلاً عن تحويل عائدات حقول وبساتين ومنازل تم الاستيلاء عليها، إلى مصادر دخل للميليشيات، وهي ممارسات اتبعتها أكثر من ميليشيا في مناطق متفرقة من إقليم عفرين المحتل.
وتؤكّد الإفادات أيضاً، حدوثَ حالات تعذيب بعد عمليات اعتقال أو خطف من جانب ميليشيات “الجيش الوطنيّ”، من بينها إفادتين لناجيين إيزيديين، رجل مسن وامرأة، تعرض المسن للخطف والتعذيب، قبل إطلاق سراحه مقابل فدية ماليّة، فيما تعرضت المرأة للاعتقال والتعذيب، قبل أن يحكم عليها بالسجن عدة سنوات، إضافة لحالة تعذيب أخرى، شهد فيها الضحية وقوع حالات اغتصاب متكررة داخل مركز احتجاز يقع في إعزاز سُجّل فيه وجود عناصر من جهاز الاستخبارات التركيّة.
وتشترك عدد من الإفادات بأن أصحابها تعرضوا لأكثر من انتهاك من قبل ميليشيات “الجيش الوطني”، كحالة امرأة أخفيت قسرياً، لعامين ونصف على يد ميليشيا “الحمزة”، وتوفي زوجها داخل سجون الميليشيات، واستولت ميليشيا “صقور الشام” على ممتلكاتهم في القرية، كذلك تشمل الإفادات حالة مواطن كرديّ تعرض للتعذيب على يد مجموعة من ميليشيا “جيش الشرقية” في جنديرس، لدى عودته ومطالبته باستعادة بيته من الميليشيا عام 2018، ليعود عناصر من الميليشيا نفسها ويقوموا بقتله مع عددٍ من أشقائه (عائلة بيشمرك)، على خلفيّة إيقادهم لشعلة نوروز في 20 آذار/مارس 2023.
الانتهاكات الموثقة في هذا التقرير وتقارير محليّة ودوليّة عديدة موزعة على معظم مناطق عفرين، وفي مناطق نفوذ أكثر عدد من ميليشيات الجيش الوطنيّ التي تتحكم بها تركيا، وفي ظل تجاهلٍ تركيّ لمعظم النداءات التي أطلقتها المنظمات الحقوقيّة الدوليّة والمستقلة إضافة للأمم المتحدة، لوضع حدٍّ لهذه الانتهاكات الجسيمة، خلال السنوات الماضية، يقدّم مؤشراً إضافيّاً، على احتماليّة قويّة بأن تكون أنقرة هي التي أطلقت يدّ هذه الميليشيات لارتكاب تلك الانتهاكات.
باتت عفرين ساحةً لانتهاكات حقوق إنسان لا حصر لها، حيث تواصل ميليشيات “الجيش الوطنيّ” ارتكاب أنماط متكررة وممنهجة من الانتهاكات، ومنذ احتلال عفرين عام 2018، وثقت العديد من المنظمات الدوليّة والمحليّة المستقلة واللجان الأمميّة انتهاكات واسعة تضمنت القتل، والاعتقال التعسفيّ والإخفاء القسريّ، وسوء المعاملة والتعذيب والنهب ومصادرة الممتلكات، إضافة لإجبار السكان الكُرد على ترك منازلهم، وعرقلة عودة السكان الأصليين، وممارسات التتريك والتغيير الديمغرافيّ.
منهجية التقرير
استند التقرير في منهجية الإثبات على تحليل 40 إفادة وشهادة إما عبر اللقاء المباشر/الفيزيائي أو الإنترنت، مع شهود وناجين ومتضررين مقيمين في إقليم عفرين المحتل أو مهجرين منها، أو مقيمين في مخيمات وقرى بريف حلب الشماليّ، أو مقيمين بمحافظة الحسكة.
وشملت الإفادات والشهادات ستة مناطق من أصل سبعة من عفرين، من بينها 10 إفادات تركزت في مدينة جنديرس وريفها، باعتبارها كانت أكثر المناطق تضرراً بزلزال 6/2/2023.
وتضمن التقرير 10 إفادات لناجين ومتضررين إيزيديين من مجموعة قرى، منها قرية بافليون التي استولت عليها بالكامل ميليشيا “الجبهة الشامية”. كما شمل التقرير ست إفادات لحالات تعذيب تضمنت كبار سن ونساء ورجال، مسلمين وإيزيديين ومسيحين، تعرض بعضهم لأكثر من انتهاك.
وكان من بين هذه الحالات التي تم إغفال الإفادات فيها بشكلٍ كاملٍ، حالة مواطن قتل تحت التعذيب في سجون ميليشيات “الجيش الوطني”، وقالت عائلته إنّه اعتقل بداية من جانب الاستخبارات التركية. وحالة معتقلة قالت عائلتها إنّها تعرضت للتعذيب وفقدت ذاكرتها، قبل أن يجري الحكم عليها بالسجن عدة سنوات. إضافة لحالة استولت فيها منظمة مدنيّة على عقار تعود ملكيته لمهجّر، وحوّلته إلى مرفق عام.
المصدر:عفرين بوست