امبراطورية ميتاني الكوردية.
أطلق سكان مملكة ميتاني على بلادهم اسم «هانيغالبات» وكذلك فعل الآشوريون، بينما أطلق عليها المصريون تسميتي «نهارين» و«ميتاني»، وقد امتدت تلك المملكة يومًا من شمالي العراق عبر سوريا حتى الأراضي التركية؛ فكانت إحدى القوى العظمى حينها، أما اليوم فيكاد لا يتذكرها أحد.
لم تعثر التنقيبات الأثرية إلا على ما ندر من سجلات الميتانيين أنفسهم لكن المراسلات التي جرت بين ملوكهم وملوك آشور ومصر (رسائل تل العمارنة) -إضافة إلى أقدم دليل (كتيب إرشادات) لتدريب الخيول في العالم، ومعاهدة بينهم وبين الحيثيين- تدل على ازدهار مملكتهم بين سنتي 1500 ق.م و 1240 ق.م. كانت ميتاني -سنة 1350 ق.م- قوية إلى درجة انضمامها إلى «نادي القوى العظمى» إلى جانب مصر وحاتي (الحيثيين) وبابل وآشور.
أضعفت التوغلات العسكرية الآشورية مملكة ميتاني منذ بداية القرن 14 ق.م حين ضم الملك الآشوري آشور أوبلط الأول (حكم نحو 1365-1330 ق.م) كثيرًا من أراضيها إلى مملكته، وزادت مشاكل وراثة العرش بين أفراد العائلة المالكة الميتانية من مصاعب المملكة فصارت ميتاني فريسة سهلة للحيثيين بقيادة ملكهم شوبيلوليوما الأول (حكم نحو 1344-1322 ق.م) الذي رحّل جزءًا كبيرًا من الشعب وأحل محلهم سكانًا حيثيين.
استولى الملك الآشوري أدد نيراري الأول (حكم نحو 1307-1275 ق.م) على المنطقة ورحّل -مجددًا- بعض السكان وأحل محلهم رعايا آشوريين، بينما أكمل ابنه وخليفته شلمنصر الأول فتح ميتاني نحو 1250 ق.م وهزم ابن الأخير توكولتي نينورتا الأول (حكم نحو 1244-1208 ق.م) الحيثيين في معركة نهرايا نحو 1245 ق.م مزيلًا قوتهم ونفوذهم من المنطقة إلى جانب سحق ميتاني -التي أصبحت مجرد مملكة صغيرة الآن- وضمها إلى الإمبراطورية الآشورية.
شعب ميتاني واسمه
حكمت مملكة ميتاني منطقةَ شمالي دجلة والفرات بين 1475 ق.م و 1275 ق.م.
حكمت السلالة الميتانية شمالي بلاد الرافدين بين نحو 1475 ق.م و 1275 ق.م، واختُلِف بشأن هوية سكان المنطقة الأوائل إن كانوا مهاجرين هندو إيرانيين، أو هندو آريين، بل ربطهم البعض بالهكسوس الساميين، وما زال الباحثون يتناقشون بشأن قوميتهم. وقد اعتمد الباحثون في تعريف هوية السكان على أسماء الآلهة التي استعملت في نص المعاهدة مع الحيثيين؛ كإندرا وميثرا وفارونا، لكن كِلتي المجموعتين اللتين هاجرتا معًا من وسط آسيا قديمًا: الهندو آريين والهندو إيرانيين، عبدتا نفس هذه الآلهة.
يُعتقد أن أفراد الطبقة الحاكمة في ميتاني كانوا محاربين يُعرفون باسم «الماريانُ»، وقد منحوا اسمهم للمملكة حين ترجمه المصريون فقالوا «ميتاني» و«نهارين»، بينما عرف الآشوريون المملكةَ باسم «هانيغالبات» (أو خانيغالبات، هاني-رَبّات) وأشار الحيثيون إلى الشعب بأنه «حوري» يسكن «أرض الحوريين»، ويتفق معظم الباحثين اليوم على أن السكان كانوا حورين حقًا، وقد استعمل الحكّام لغة الشعب الذي حكموه: اللغة الحورية؛ وهي ليست من اللغات الهندو إيرانية، فتقول الباحثة غويندولين ليك بخصوص ذلك:
كان معظم سكان ميتاني من الحوريين، لكن النخبة الحاكمة كانت من المحاربين الهندو أوربيين الذين أطلقوا على أنفسهم اسم «ماريانُ» وقد عبدوا آلهة تحمل أسماء فيدية مثل إندار وأوروانا وجماعة الديفا. لم تمتنع النخبة عن الزواج من السكان المحليين وتشهد بذلك أسماء أطفالها (120).
كانت عاصمة ميتاني هي «واشوكاني» الواقعة عند منابع نهر الخابور، وهو أحد روافد نهر الفرات، واسمها يذكّر بالكلمة الكردية «باشكاني» (باش بمعنى جيد وكاني بمعني بئر أو مصدر) التي تُترجم إلى «مصدر الخير» أو «مصدر الثروة». ويرى بعض الباحثين أن مدينة «سيكان» القديمة بُنيت في موقع واشوكاني وأن خرائبها قد تكون تحت تل الفخيرية قرب جوزان بسوريا.
يتضمن أي نقاش حول مملكة ميتاني الكثير من الافتراضات لغياب السجلات المكتوبة بواسطة السكان أنفسهم إلا قليلًا، ورغم معرفتنا بأعمال الملوك وعلاقاتهم مع الممالك الأخرى إلا أننا نجهل تمامًا تفاصيل حياة الشعب اليومية ومعتقداتهم الدينية، لكننا نعرف أن ميتاني كانت قوة عظمى في الشرق الأدنى منذ نحو 1500 ق.م.
المملكة العظيمة
تحكمت ميتاني في عهد ازدهارها بالطرق التجارية النازلة على طول نهر الخابور حتى مدينة ماري والصاعدة على طول مجرى الفرات حتى مدينة قرقميش، مثلما تحكمت بأعالي نهر دجلة عند نينوى. تضمنت قائمة حلفاء المملكة الميتانية كيزواتنا في جنوب شرقي الأناضول، وموكيش الممتدة بين أوغاريت وقطنا غرب نهر العاصي حتى البحر، ونيا التي تحكمت بضفة العاصي الشرقية من ألالاخ نزولًا عبر حلب وإبلا وحماة حتى قطنا وقادش في سوريا الحالية.
The Ancient Near East c. 1500-1300 BCE
الشرق الأدنى القديم – نحو 1500-1300 ق.م.
Simeon Netchev (CC BY-NC-ND)
وكانت علاقات ميتاني الشرقية جيدة مع الكاشيين المتحدثين بالحورية الذين سكنوا الأرض التي أصبحت اليوم تُعرف بكردستان، أما الأراضي الميتانية الواقعة في شمالي سوريا فقد حدتها الأناضول الشرقية من الغرب، وشرقًا امتدت ميتاني بعيدًا حتى نوزي (كركوك الحالية في العراق) ونهر دجلة، بينما امتدت جنوبًا من حلب عبر ماري على الفرات في الشرق.
سمحت أراضي الميتانيين الخصبة لسكانها بالزراعة دون الحاجة لري صناعي، ورُبّيَت قطعان الأبقار والخراف والخيول والماعز عندهم، وقد كان الميتانيون فرسانًا وسائقي عربات حربية ذوي شهرة واسعة، ويُسجل لهم -أيضًا- أنهم كانوا أول من طوّر العربات الحربية الخفيفة التي سارت على برامق (عجلات مجوفة) بدلًا من العجلات الخشبية المصمتة التي استعملها السومريون، فصارت عرباتهم أسرع وأسهل في المناورة.
كشفت التنقيبات الأثرية التي أجريت في حاتوشا (قرب بوغاز كوي بتركيا حاليًا) -في الأرشيفات الحيثية- عن أقدم كتيب إرشادات لتدريب الخيل في العالم وجِد حتى اليوم، وقد كُتب هذا العمل سنة 1345 ق.م بيَدِ مربي خيول ميتانيّ يُدعى كيكولي على أربعة ألواح واحتوى على 1080 سطرًا تبدأ بالكلمات: «هكذا يقول كيكولي؛ رئيس مدربي الخيل في أرض ميتاني» قبل أن يأخذ بشرح الطرق المناسبة لتربية الخيول، باستفاضة.
ملوك ميتاني
لا يُعرف سوى القليل عن الملوك الميتانيين الأوائل بسبب تدمير ثقافتهم لاحقًا على يد الآشوريين لكننا نعرف أسماءهم من المراسلات التي جرت بينهم وبين الدول الأخرى في زمانهم، ويبدو أن أهم ملوك ميتاني من القرن 16 ق.م هم: كيرتا وابنه شوتارنا الأول وباراتارنا (أو بارشاتاتار)، أما الملك شوشتاتار (حكم نحو 1430 ق.م) فقد وسع حدود دولته بفتحه ألالاخ ونوزي وآشور وكيزواتنا. هَزمت مصر (بقيادة تحوتمس الثالث الذي حكم نحو 1479-1425 ق.م) جيوشَ ميتاني في حلب بعد صراع طويل حول السيطرة على منطقة سوريا.
وصلت ميتاني إلى قمة مجدها وقوتها في عهد شوتارنا الثاني وصارت عضوًا في ما يُدعى «نادي القوى العظمى»
عاصر الملك الميتاني أرتاتاما الأول فرعوني مصر أمونحتب الثاني (1425-1400 ق.م) وتحتمس الرابع (1400-1390 ق.م)، لكن لا يُعرف عنه الكثير سوى محاولات لعمل معاهدات مع مصر عبر الزواج، أما ابنه شوتارنا الثاني فقد رتب لزواج ابنته كيلوهيبا من أمونحتب الثالث (حكم 1391-1353 ق.م) فعزز العلاقات وساعد ميتاني في تدعيم قوتها وحفظ حدودها.
في عهد شوتارنا الثاني، بلغت ميتاني قمة مجدها ونفوذها وصارت عضوًا في ما يُعرف اليوم بنادي القوى العظمى الذي يضم أقوى دول المنطقة حينها: مصر وبابل وحاتي (مملكة الحيثيين بالأناضول)، تلك الدول التي تفاعلت مع بعضها بالتجارة والأحلاف.
وصلتنا معاهدات واتفاقيات تجارية من هذه الحقبة والحقب التالية، لكن لم يصلنا إلا ما هو ضروري لرسم صورة واضحة لطريقة عمل الدبلوماسية الميتانية ونفوذها الثقافي في المنطقة، بينما وثقت الحضارات الأخرى أعمالها بصورة حسنة إلا أن كيفية تفاعل ميتاني معها ومتى فعلت ذلك أمرين بعيدين عن الوضوح، ويعلق الباحث مارك فان دي ميروب قائلًا:
أكبر صعوبة تجابهنا هي التباس تسلسل الأحداث زمنيًا، وبينما قد نشعر بالثقة الحذرة حول تسلسل الحكام ومدد حكمهم في بعض الدول تبقى المعلومات حول ملوك آخرين وعهودهم غامضة جدًا، لذلك تشكّل حتى كتابة تاريخ الدولة الميتانية -على سبيل المثال- مشكلة كبيرة إذ ليس بمقدورنا تأريخ الأحداث اعتمادًا على سجلات المملكة نفسها بل علينا اللجوء إلى ما يعاصرها من تواريخ مصر وحاتي لمعرفة متى تسنم ملك ميتاني العرش وكم استمر حكمه، وكل ذلك بالتقريب (130).
أحد أكثر عهود ملوك ميتاني توثيقًا هي عهدي شوتارنا الثاني وابنه توشراتا، وسبب ذلك هو المراسلات المعروفة برسائل العمارنة، وحتى هذين العهدين ليسا مكتملين.
الملك توشراتا وقدوم الحيثيين
رُتِّب لزواج أمونحتب الثالث من ابنة الملك الميتاني توشراتا، تادوهيبا (تادوخيبا)، وفقًا لمعاهدة وازنت القوى بين الأمتين، ويرى بعض الباحثين أن تادوهيبا ليست سوى ملكة مصر الشهيرة نفرتيتي (نحو 1370-1336 ق.م) التي كانت زوجة ابن أمنحوتب الثالث: أخناتون (حكم 1353-1336 ق.م)، ويرى بعضهم أنها زوجة أخناتون الأقل أهمية: كيا، لكن الباحثين -عمومًا- يرفضون هاتين الفكرتين.
أرسل توشراتا مع ابنته دوطة كبيرة تضمنت تمثال إلهة واشوكاني الوطنية: ساوسكا؛ إلهة الخصوبة، وقد كان أمنحوتب الثالث مريضًا حينها فأُرسلت ساوسكا لعلاج ما ألمَّ به باعتبارها مختصة بالعلاج، لكنها كانت إلهة حب أيضًا وكان إرسالها بغرض مباركة الزواج وتقوية الاتحاد إلى جانب ذلك. ذكرت رسالة بين الملكين الهدايا المُرسَلة التي تضمنت الذهب وأسرجة خيول مبهرجة بفخامة وهوادج جمال ومجوهرات وملابس غالية الثمن.
Amarna Letter Tablet from Tushratta
لوح من رسائل العمارنة من توشراتا
Priscila Scoville (CC BY-NC-SA)
اختُبرت قوة هذه المعاهدة مرتين؛ الأولى حين كتب توشراتا لأمونحتب الثالث لاحقًا بأنه لم يستلم من مصر كمية الذهب المتوقعة من اتفاق الزواج (مَهرًا)، والثانية حين واجه توشراتا انقلابًا في عاصمة حكمه، ولم تنجُ الاتفاقية من الاختبار الثاني الذي كان جوهره الصراع في واشوكاني بين توشراتا وأرتاتاما الثاني؛ أحد أقربائه وربما أخيه، فدعمت مصر توشراتا بينما دعم الملك الحيثي شوبيلوليوما الأول (حكم نحو 1344-1322 ق.م) أرتاتاما الثاني، ويكتب الباحث بول كريواكزيك عن ذلك:
نافس الحيثيون مملكة ميتاني التي أغلقت بوجههم شمالي بلاد الرافدين من البحر تقريبًا في الغرب حتى الجبال في الشرق، ومن منطقة حلب حتى منطقة كركوك (219).
يبدو أن الحيثيين اتفقوا مع أرتاتاما الثاني ليدبر لانقلاب في واشوكاني يريدون كسر سيطرة الميتانيين على الطرق التجارية، ويبدو أن توشراتا حظي بدعم نبلاء مملكته وبدعم مصر الواضح في البداية. كاد توشراتا ينتصر في صراعه حين توقفت مصر عن دعمه خوفًا من قوة الحيثيين المتنامية، فاستغل شوبيلوليوما الأول الفرصة؛ تعِبًا من الدبلوماسية وحرًا ليفعل ما يشاء دون خوف من انتقام مصري، قاد قواته وفتح واشوكاني. اغتال ابن توشراتا أباه، ربما لإنقاذ المدينة، لكن المدينة سقطت وأصبحت ميتاني تُحكم لفترة بواسطة ملوك يحركهم الحيثيون كالدمى لتمرير أجنداتهم.
فتح آشور لميتاني
قسم شوبيلوليوما الأول مملكة ميتاني السابقة إلى قسمين عاصمتاهما حلب وقرقميش، وحافظ ما بقي من المنطقة؛ وهو ما يُعرف باسم هانيغالبات، على نوع من الاستقلال مع أنه كان دولة تابعة رسميًا. خضعت المنطقة التي كانت يومًا ما مملكة ميتاني للإمبراطورية الآشورية، في لحظة ما ربما كانت إبان حكم الملك الحيثي مورسيلي الثاني (حكم 1321-1295 ق.م)، لكنها -بالتأكيد- خضعت للإمبراطورية الآشورية قبل عهد تودحاليا الرابع ومعركة نايريا -نحو 1245 ق.م- التي كانت بداية اضمحلال الإمبراطورية الحيثية.
ترك الملك الآشوري أدد نيراري الأول (حكم 1307-1275 ق.م) نقوشًا تحكي كيف تحدى الملكُ الحيثي المدعي شاتوارا الأول عظمَته؛ فزحف أدد نيراري على ميتاني وسحق جيوش الحيثي في ميدان القتال، وحمل شاتوارا الأول مكبلًا بالأغلال إلى آشور حيث أُجبِر على حلف يمين ولاء للملك الآشوري. لقد احتفظت ميتاني باستقلالها لكنها دانت بالجزية والولاء لآشور ولم تعد مساوية للدول الكبرى الأخرى في المنطقة.
Stone Foundation Document of King Adad-Nirari I
وثيقة حجر أساس تعود إلى الملك أدد نيراري الأول
Osama Shukir Muhammed Amin (Copyright)
اضمحلت ميتاني أكثر في عهد ابن أدد نيراري: شلمنصر الأول (حكم من سبعينيات القرن 13 ق.م حتى أربعينياته) حين ثار الملك الميتاني شاتوارا الثاني على آشور، وكانت ثورته بعون من قبائل الأخلامو (الأحلامو) البدوية نحو 1250 ق.م.
كانت قوات شاتوارا منظمة ومجهزة بصورة جيدة، وقد احتلت كل ممرات الجبال والمنخفضات التي تتجمع فيها المياه لتقطع إمدادات الماء عن الجيش الآشوري وتعيق وصوله إلى ما يحتاج من المؤن. ورغم معاناة جيش شلمنصر الجوع والعطش فأنه حقق انتصارًا ساحقًا، وادعى شلمنصر -في سجلاته- أنه ذبح 14400 رجلًا وسمل أعين الناجين وأسَرَهم، وتذكر نقوشه فتحه تسعة معابد محصنة وتدميره 180 مدينة حورية «فحولها إلى تلال من الأنقاض» و«ذبحه جيوش الحيثيين وحلفائهم من الأخلامو كالخراف».
فُتحت كل المدن بين تايدُ (تايتي) وإرّيدُ، وهي تمثل منطقة شمالي العراق دخولًا إلى سوريا، مثلما فُتحت منطقة جبال كشياري نزولًا حتى مدينة إلوخات (إلوخوت) مشمولة (تقع في جنوب شرقي تركيا الحالية)، وبيع كثير من سكان هذه المناطق عبيدًا ورُحِّلوا إلى أراضٍ أخرى. انتصر توكولتي نينورتا الأول؛ ابن شلمنصر، على الحيثيين في معركة نايريا نحو 1245 ق.م فأنهى سيطرتهم على المنطقة وابتلع ميتاني بكاملها في إمبراطوريته الآشورية.
خاتمة
نُسيت ميتاني باعتبارها كيانًا سياسيًا بمرور الزمن حتى انتشلت ذكراها معاول المنقبين الآثاريين المعاصرين الذين عملوا في المنطقة، واكتشاف رسائل العمارنة سنة 1887 م. وقد اكتُشفت هذه الرسائل في تل العمارنة بمصر وهي رسائل بين ملوك مصر وملوك آخرين في «نادي القوى العظمى» الذي لوحظ أنه ضم ميتاني.
لكن مملكة ميتاني ما زالت تشكل مشكلة للمؤرخين والآثاريين بسبب دمارها على يد الآشوريين، وحتى اليوم لا يستطيع معظم الباحثين تقديم شيء عن تاريخ المملكة وثقافتها إلا الخطوط العريضة معتمدين على الوثائق والقطع الأثرية النادرة التي عُثر عليها كالأختام الأسطوانية التي أمكن التعرف على عائديتها إلى ميتاني، وتكتب الباحثة كانتور على سبيل المثال:
بين كل ممالك الألف الثاني قبل الميلاد، كانت ميتاني أكثرها اصطناعًا وأقلها عمرًا، ولقرون قليلة تمتعت مناطق في شمالي سوريا تمركزت حول وادي الخابور، لأول وآخر مرة، بوحدة سياسية مستقلة بقيادة أقلية حاكمة يحمل ملوكها أسماء هندو أوربية تدعمهم طبقة من الفرسان. مع أن ميتاني لم تحافظ على استقلالها إلا بالتلاعب البارع بميزان القوى غير المستقر الذي ميز عالم الشرق الأدنى في نهاية الألف الثاني ق.م لكنها كانت قوية في زمن من الأزمان إلى درجة مد نفوذها وسلطانها إلى خارج حدود دولتها (1).
تستمر الباحثة هيلين كانتور في مناقشة القطع الأثرية المرتبطة بميتاني لكنها -كباقي الباحثين- لا تقول إلا القليل عند وصفها للدولة الميتانية. ومع أن الباحثين -اليوم- يقولون أنهم يعرفون معلومات أكثر عن ميتاني مقارنة بزملائهم في الماضي، إلا أنهم ما يزالون يعملون -أساسًا- مع نفس المعلومات الرئيسية التي توفرت في أواخر القرن 19 وبدايات القرن 20 للميلاد. لن يتغير هذا الوضع حتى يعثر علماء الآثار على قطع أثرية أو وثائق جديدة، ويمنع الصراعُ العسكري المتواصل في المنطقة الجهودَ التي بإمكانها تقديم صورة أوضح عن المملكة العظيمة التي كانتها ميتاني.
قائمة المصادر والمراجع
Durant, W. Our Oriental Heritage. Simon & Schuster, 2010.
Kantor, H. J. “Mitanni.” Oriental Institute of Chicago, Plant Ornament in the Ancient Near East, Ch. XIV, pp. 1-42.
Kriwaczek, P. Babylon: Mesopotamia and the Birth of Civilization. St. Martin’s Griffin, 2012.
Leick, G. The A to Z of Mesopotamia. Scarecrow Press, 2010.
Pritchard, J. B. The Ancient Near East, Volume I: An Anthology of Texts and Pictures. Princeton University Press, 2019.
Van De Mieroop, M. A History of the Ancient Near East ca. 3000 – 323 BC. Blackwell Publishing, 2006.
موسوعة التاريخ العالمي هي إحدى شركات Amazon Associate وتحصل على عمولة على مشتريات الكتب المؤهلة.
نبذة عن المترجم
Al-Hussain Al-Tahir
Al-Hussain Al-Tahir
كاتب: من بلاد الرافدين: مساهمة العراق في الحضارة العالمية. نشر عددًا من المقالات حول التاريخ القديم على موقع «الحوار المتمدن».
!
منقول من