كردستان الحمراء قربان المصالح الإشتراكية

الكاتب: الأستاذ بير رستم (أحمد مصطفى)

الأخوة الشيوعيين مننونا كثيراً بمقولة أن لينين أعطى الكرد أيضاً حقوقهم وذلك من خلال التذكير دائماً؛ بأنه أسس لهم جمهورية “كردستان الحمراء” وأعتقد بأن الكثيرين سمعوا هذه المقولة من أعضاء وقيادات شيوعية ذي أصول كردية وخاصةً عندما كانوا يواجهون بسؤال؛ “ماذا قدمتم لشعبكم أنتم الشيوعيين الكرد”، لكن هؤلاء الأخوة وللأسف كانوا يتعاملون مع المسألة على مبدأ مقولة؛ “لا تقربوا الصلاة” دون تكملة “وأنتم سكارى” حيث كانوا يكتفون بالجانب الايجابي والذي يخدمهم وهو أن لينين أعطى الكرد حقوقهم وأسس لهم جمهورية ذات حكم ذاتي، لكن لم يبادر لذهن أحدهم ليقول؛ وأين هي هذه الجمهورية بين صفوف جمهوريات الاتحاد السوفيتي -حينذاك- والتي كان ستالين قد ضحى بها وذلك بعد أن أقام علاقات قوية مع الجمهورية التركية بقيادة أتاتورك عام 1926 حيث كانت من نتائجها التضحية بتلك الجمهورية الفتية عام 1929 ويقول الصديق الأستاذ محمد البرازي بهذا الصدد في مقالة له بعنوان؛ “الكورد في قرغيزستان” ما يلي:

“يقول رئيس جمعية الكورد في قيرقيزستان السيد شيخ رمضان سيدوف محمد وفيج – المولود في مدينة بشكيك بقيرغيزيا في عام 1958-: أن والده هجر قصراً من كوردستان الحمراء من منطقة (نقشوان) بعد الاتفاق الذي حصل بين الأتراك والحكومة السوفيتية حينذاك، ففي عام 1923 وبعد ما غُدر بالكورد في معاهدة لوزان وقسمت كوردستان بين تركية وسورية والعراق وإيران، كانت الثورة البلشفية فتية، ورداً على هذا المعاهدة المشؤومة أسس الرئيس السوفيتي (لينين) جمهورية (كوردستان الحمراء) عام 1923، وقد دامت (كوردستان الحمراء) ست سنوات حتى عام 1929م. وسبب زوالها بانه عقد أتفاق بين حكومة الرئيس السوفيتي (ستالين) والرئيس التركي (كمال أتاتورك) في عام 1926 بأن تصبح دولة تركيا من أعظم الدول الاشتراكية في آسيا، مع بعض الأمور الغامضة مثل الوعود المادية والنفطية …الخ”(1). وهكذا أصبحت كردستان الحمراء جزء من تلك الاتفاقية، بل لنقل تلك الصفقة القذرة على حساب شعبنا وأيضاً على حساب القيم الأخلاقية للثورة البلشفية التي قادها لينين يوماً مع رفاقه الذين أصبحوا عم أنفسهم قرابين ديكتاتورية ستالين ليؤسس إحدى أسوأ جمهوريات الرعب في التاريخ الإنساني.

طبعاً لم تقف جريمة ستالين عند هذه النقطة بحق الكرد، بل تعدى إلى ما يمكن القول؛ بأنه أرتكب الجينوسايد بحق شعبنا هناك حيث قام بتهجير سكان تلك الجمهورية الفتية في ظروف غاية في السوء تسببت بموت الكثيرين وخاصةً الأطفال والعجز وتوزيع الباقي على عدد من الجمهوريات بهدف إلغاء الوجود الكردي في الاتحاد السوفيتي والقضاء عليهم من خلال إنحلالهم في داخل الواقع السكاني الديموغرافي لتلك الجمهوريات ويقول المصدر السابق يهذا الصدد ما يلي: “وفي تلك الأعوام كان الشعب الكوردي يقوم بالمظاهرات والثورات في كوردستان تركيا مثل ثورة شيخ سعيد بيران وثورة سيد رضا، وهنا حصل تقارب بين الأتراك وستالين وطلبوا منه بأن يحل (كوردستان الحمراء)، لأن كورد تركيا يتطلعون إلى (كوردستان الحمراء) ويشجعون على ذلك! وطال انحلال هذه الجمهورية حتى عام 1929، وبعد حلها جرى تهجير الكورد قصراً إلى دول آسيا الوسطى مثل كازخستان، قرغيستان، وأوزبكستان، ونحن كنا من ضمن اوائل الهجرة، وفي عام 1944 هجروا بقية الكورد قصراً من (جبال القفقاس) وخاصة من جيورجيا وأرمينيا .. عندما هجروا إلى أسيا الوسطى لم يسمح لهم بزيارة أقربائهم، و لم يعرفوا أين أخوانهم، فمنهم من كان في كازاخستان، وفي أوزبكستان حتى عام 1956، ومن ثم عرفوا أين أقاربهم؟ هذا هو وضع الكورد في زمن الاتحاد السوفييتي السابق”(2).

ويفيض الأستاذ البرازي بخصوص معاملة ستالين في كارثة تهجير الكرد فيقول؛ “بعد قضاء ستالين على جمهورية كوردستان الحمراء عام 1930 -وهنا اختلاف بالتاريخ حيث ذكر بالمرة الأولى عام 1929- تم تشتيت الكرد على دول الاتحاد السوفيتي السابق، مثل: أوكرانيا ومولدافيا وقرقيزيا وأزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وكازاخستان، وخلال فترة الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في عام 1944 بدأ الاتحاد السوفيتي مرة أخرى بالتهجير القسري للكرد من جورجيا وأرمينيا إلى صحراء كازاخستان وأوزبكستان وقرغيزستان و تركمانستان. ولا يعلم السبب الارجح للتهجير قسراً بعربات القطار، حيث تم سوقهم إلى الصحراء في الشتاء القارس. ولا يزال الكرد يتذكرون بكل مرارة تلك الهجرة التي دفنوا خلالها خيرة أولادهم في محطات القطار”(3) ويؤتي الكاتب بعدد من الشهادات الحية عن تلك المحن والمآسي التي مرّ بها أولئك الكرد المساكين فيكتب:

((يقول الأكاديمي نادير كريموفيج ناديروف: أول هجرة بدأت في عام1937 و”شحنونا” في عربات القطار مع الحيوانات، و كان الجو قارساً جداً، و الجوع يأكل بطون الصغار، ولم نجد من يمدّ لنا يد العون, سار بنا القطار أكثر من عشرين يوماً، ومات الكثير من الأطفال والشيوخ بيننا، وكنا ندفنهم في محطات القطار، والله كنا نضعهم تحت الثلج، لافتقارنا إلى ما نحفر به الأرض. و بعد وصولنا إلى جنوب كازاخستان أعطونا الخيم، و في الربيع بدأنا نبني بيوتاً من الطين ونسكن فيها. وجاءت في الليل إلينا سيارة عسكرية، و خرج من السيارة اثنان من KGB (وهو اسم جهاز مخابرات السوفيت) وطلبا منا تجميع كل مَن عمره فوق عشرين سنة ليذهب بهم للعمل في الدوائر الحكومية، فجمع الشباب عنوة و كان بينهم من عمره أقل من عشرين عاماً، فاقتيدوا إلى جهة مجهولة على أساس العمل ، ولم يعودوا حتى يومنا هذا!! و من ضمنهم كان أخي و عمي و كثير من أقربائي. وبعد انهيار السوفييت فتشنا في الأرشيف، فقيل لنا:إنهم مدفونون في جنوب كازاخستان بمدينة شمكينت. والآن عملوا هناك متحفاً، و الله لا فرق بين ستالين و صدام، الاثنان وضعوا الكرد في المقابر الجماعية، هكذا كانت تعاملنا الشيوعية!!”(4).

ويضيف أيضاً؛ “و يقول محمد سلو بابايف: كنت مدير أحد المراكز الزراعية في منطقة ماسيس التابعة لأرمينيا, وفي عام 1969 رشحوني لمنصب رفيع، وخصوصاً كنت أجيد عدة لغات:الروسية و الأرمينية, والأذربيجانية والكردية , و كل سكان المنطقة رشحوني, و قال لي المسؤول الحزبي للمنطقة: أنت تستحق هذا المنصب، ولكنك لست أذربيجانياً، ولا أرمنياً أنما أنت كردي ولا يسمح للكردي بأن يكون في هذا المنصب الرفيع!! يقول اتجهت إلى الجبل وصرخت باكياً عدة ساعات، هكذا كانت تعاملنا السلطة الشيوعية.الكردي يولد متهما لأنه كردي”. وكذلك “يقول المهندس زاهر عفدي صاديكوف:لا أريد أن أتذكر الكثير، و لكني أريد قول هذا، إنه في عام 1980 جرت في موسكو الألعاب الأولمبية، فقررنا أن نحضر الأولمبياد، و قبل سفرنا بأربعة أيام اجتمع بنا المدير العام للشركة، و قال: لا أريد أن أزعج أحداً منكم، و لكن لا يستطيع بعضكم حضور الأولمبياد! وأخرج ورقة من حقيبته، و قال: هذا القرار من موسكو: لا يسمح بالدخول إلى موسكو كل من الأكراد والقرباط قبل بدء الأولمبياد بأسبوع. فيقول : أنا تجمّدت في مكاني، قارنونا بالقرباط و أنا نائب المدير العام. و يقول: المدير أشار بأصبعه إليّ فقال هذا أمر من موسكو …..ويضيف: أنا اتجهت إلى مكتبي وبكيت لساعات, لكن ما العمل؟ هكذا قدرنا و كأن على جبيننا مكتوب لنا أن نظلم أينما كنا…!!!”(5).

وأخيراً “يقول الاقتصادي عزيز زيا بدرخان عالييف في عام 1944: كان والدي في الجبهة يحارب النازيين الألمان والحكومة الشيوعية الستالينية هجرت عائلتنا قسراً إلى آسيا الوسطى هكذا كان يحاربنا ستالين, تصوّروا الأب في الحرب يدافع عن حكومة ستالين، و ستالين بدأ بتهجير الكرد من ديارهم و ديار أجدادهم!!”. أما عن الأسباب التي دفعت بستالين لأن يمارس هذه السياسات المجحفة والظالمة بحق كرد الاتحاد السوفيتي فيقول الكاتب؛ “هناك من يقول أنه أثناء الحرب العالمية الثانية كان يوجد عدة أسباب لهجرة الكورد إلى آسيا الوسطى منها أن أصل الكورد آري وكان الألمان آريين أيضاً؛ ولهذا جاء حقد ستالين على الكورد، ويقول شكري خدو بهذا الصدد: بأن كل ما يعتقده الروس بأنه كوردي كانوا يحاولون مسحه من الوجود، أما السبب الثاني هو الأهم فقد كان عشيق والدة الزعيم (ستالين) كوردياً واسمه (شيركو)، وحتى يومنا هذا يوجد قبر شيركو بجوار قبر والدة ستالين، وهناك سبب آخر بأن الزعيم باقيروف الأذربيجاني كان يحقد على الكورد بسبب تعاطفه مع الأتراك- الأتراك والأذريين من أصل واحد- فكان ينقل للزعيم (ستالين) أخبار غير صحيحة عن الكورد، ويحاول طردهم من القفقاس وكوردستان الحمراء، أو مسحهم من خارطة الاتحاد السوفييتي”(6).

طبعاً كل ما ذكره الصديق العزيز قد تكون أسباب وعوامل مساعدة، لكن بقناعتي فإن الأسباب الرئيسية والأهم كانت تكمن خلف العلاقات السوفيتية التركية حيث “ثورتان” أو بالأحرى دولتان ونظامان فتيان مهددان من قبل القوى الاستعمارية الغربية الأوربية؛ أي الاتحاد السوفيتي ونظامها الإشتراكي المرفوض من الأنظمة الغربية الرأسمالية وتركيا التي هي وريثة الدولة العثمانية التي تعرضت للتفتيت والتقسيم على يد تلك القوى الغربية الرأسمالية. وهكذا تلاقت مصالح الدولتان وكان لا بد من تقديم بعض الخدمات للطرف الآخر ومنها كردستان الحمراء التي كانت ضحية وقربان لتلك المصالح ولم يكن الكرد الثمن الأوحد على مذبح المصالح تلك، بل قدمت الاتحاد السوفيتي حينذاك العتاد العسكري والدعم المالي لتركيا بهدف القضاء على الحركات المناهضة للدولة الكمالية وبالأخص الحركات الكردية. وبخصوص العلاقات التركية السوفيتية يقول الكاتب (معمر فيصل سليم خولي، في دراسة بعنوان “العلاقات التركية الروسية – من إرث الماضي إلى آفاق المستقبل”) ما يلي: “قررت موسكو دعم أنقرة منذ عام 1919، بهدف الاستفادة من وضع تركيا الجديد (بدايات انهيار الدولة العثمانية وصعود أتاتورك)، واستخدامها كأداة تتوسع عبرها إلى الخارج محققة حلم الإمبراطورية القديم بالوصول إلى المياه الدافئة، فروسيا المتجمدة يترك الجليد فيها أثره على حركة تجارتها ونفوذها وتوسعها، وسواحل تركيا أحد حلول الاتحاد السوفيتي لحل هذه المشكلة والتوسع تجاه المياه الدافئة لتحقيق حلم عمره مئات السنين”(7).

ويضيف المصدر السابق؛ (كان أول مظاهر الانفتاح على روسيا الاتحادية توقيع معاهدة “الأخوة” في 16 مارس 1921. كان نص الاتفاق “حكومة الجمهورية الاتحادية الاشتراكية الروسية وحكومة الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا، تتقاسمان مبادئ الأخوة بين الأمم وحق الشعوب في تقرير المصير والكفاح ضد الإمبريالية”(8). و(يقول الدكتور حنا عزو بهنان، في دراسة بعنوان “العلاقات التركية السوفيتية 1925 – 1935”) التالي: (وفق معاهدة “الأخوة” التي لم يكن لها من اسمها نصيب بسبب الخيانة التركية، منحت روسيا الجمهورية الحديثة مساعدات اقتصادية، كان الأتراك يطمعون في الحصول عليها، كعمود فقري في جسد الدولة الجديدة، فبعد العام 1925 ازداد حجم التبادل التجاري بشكل كبير، ومنح الروس الخزانة العامة التركية قروضا مالية لتدشين صناعات قومية)(9). وللعلم وللتأكيد على هذه الصداقة القوية بين تركيا الكمالية والسوفيت الستالينية، فإن نصب الثورة في ساحة تقسيم باستانبول يضم شخصيتان سوفيتيتان إلى جانب الشخصيات التي تحيط ب”مصطفى كمال أتاتورك” وذلك عرفاناً من الأخير بأفضال الاتحاد السوفيتي على تركيا .. وهكذا يمكننا القول؛ بأن كردستان الحمراء وكردها كانوا قرابين الستالينية على مذبح المصالح الإشتراكية وللأسف.

تنويه؛ نهدي المقالة إلى القادة الشيوعيين ذي الأصول الكردية.

مصادر البحث:
(1) الصفحة الفيسبوكية للصديق الأستاذ محمد البرازي وسلسلة مقالاته عن كرد الاتحاد السوفيتي.
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق.
(4) المصدر السابق.
(5) المصدر السابق.
(6) المصدر السابق.
(7) مقالة بعنوان؛ “شهادات ووثائق” منشورة في موقع عثمانلي.
(8) المصدر السابق.
(9) المصدر السابق.