عيد نوروز، تاريخ وأساطير
د.مهدي كاكەيي
الخلفية الأسطورية لِعيد نوروزهناك روايات كثيرة يُخبرنا كلّ منها على أنها منشأ عيد نوروز وأنّ أكثرية هذه الروايات لها خلفية مشتركة. هنا سأكتفي بِسرد أربع روايات عن منشأ عيد نوروز. بِغضّ النظر عن منشأ عن نوروز، فأنه أصبح عيداً وطنياً كوردستانياً وعيداً قومياً كوردياً وبداية رأس السنة الكوردية وبدءاً للتقويم الكوردي وإعلاناً لِرحيل فصل الشتاء والثلوج والبرد والظلام وبدايةً للربيع والجَمال وبعث الأرض والطبيعة والدفء والنور وشروق الشمس. كما أنّ نوروز أصبح رمزاً وطنياً كوردستانياً وقومياً كوردياً خالداً لشعب كوردستان وللشعب الكوردي، يستلهم منه القوة والإرادة والتصميم والعزم في رفض الاحتلال والتبعية ومواصلة النضال لتحرير نفسه من الإستعمار وتحرير بلاده من الاحتلال الإستيطاني وتأسيس دولته على أرضه التاريخية وإنهاء الحروب والكراهية والعنصرية والظلم والفقر في منطقة الشرق الأوسط ونشر السلم والسلام والمحبة والتسامح والعدالة الاجتماعية بين شعوب المنطقة وتفرّغ هذه الشعوب لبناء دولها وإلحاقها بالدول المتقدمة وخلق شعوب متحضرة و مسالمة ومتسامحة في المنطقة وإعادة الشعب الكوردي لأمجاد أسلافه العظماء في قيادة البشرية من جديد في رفد الحضارة البشرية بالإختراعات والإكتشافات والإبداع الفني والموسيقي لتحقيق السلم والرفاهية والسعادة على كوكبنا الأرضي.1. إحدى الأساطير تقول أنه كان هناك في قديم الزمان ملكٌ شريّرٌ إسمه (ضحاك). لقد لعنَ الإله هذا الملِك ومملكته بسبب شروره، حيث رفضتْ الشمس أن تشرق ولم ينبت الزرع. كان قد نما على كتفَيه نتوءان قبيحان يُشبهان رأسَي الثعبان اللذين كانا يُسببان له ألماً شديداً. عجز الأطباء عن إستئصالهما، فإضطروا إلى دهن كل نتوء يومياً بِمُخ طفل مما أدى إلى ذبح طفلَين كل يوم من أطفال سكان المملكة. كان هناك حدّاد إسمه (كاوا) وله (17) سبعة عشر طفلاً. تمّ قتل (16) ستة عشر من أطفال هذا الحدّاد وتمّ دهن النتوءين الناميين على كتفَي الملِك (ضحاك) بِمُخّهم. عندما تمّ تبليغ (كاوا) بأنّ عليه تقديم طفلته الوحيدة الباقية لتقديم مُخّها لِدهن كتف الملِك، سرعان ما وضع خطة لإنقاذ إبنته، حيث أنه بدلاً مِنْ أنْ يُقدّم إبنته لتُقتَل، ذبح (كاوا) خروفاً وأعطى دماغه للملِك. لِحُسن حظه، لم يكتشف الملِك وحاشيته هذه الخدعة. عندما علِم سكان المملكة بِخطة (كاوا)، قاموا هم أيضاً بِدورِهم بتقديم الخرفان بدلاً من أطفالهم وكانوا يُرسِلون أطفالَهم مع (كاوا) إلى المناطق الجبلية أثناء الليل لكيلا تنكشف خدعتهم وليكون الأطفال هناك في أمان. ترعرع الأطفال في الجبال وكبروا، فقام (كاوا) بتشكيل جيش منهم ليقوم بِثورة ضد الملِك الظالم وإنهاء حُكمه الشريّر. بعد تشكيل الجيش وجاهزيته، عادوا مِن الجبال وإقتحموا قلعة الملِك وقام (كاوه) بنفسه بِقتل (ضحاك) بمطرقته. لإيصال أخبار نجاح الثورة والإطاحة بالملِك الى شعب كوردستان والشعوب الأخرى التي كانت ترزح تحت حُكم الطاغية، قام (كاوه) ببناء مشعلٍ ضخم، أضاءَ المنطقة به. بعد خلاص شعوب المنطقة من الملِك المتوحش، بَدأَت الشمس بالشروق من جديد وبدأت الأرض تخضرّ والنباتات تنمو ثانيةً. هكذا بدأ عيد نوروز من ذلك اليوم الذي تمّ الخلاص من هذا الملِك الظالِم وبدأ رأس السنة الكوردية والتقويم الكوردي. 2. رواية ثانية تقول أنه في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، كان هناك ملِكٌ عادلٌ إسمه (ياشار) يحكم في مدينةٍ إسمها (يشار). مات هذا الملِك وخلّفه ابنه في الحُكم والذي كان إسمه (بختك) والذي كان إنساناً طاغياً وقاسياً وظالماً. أُصيب هذا الملِك بالجنون، وأخذت تتراءى له العفاريت والجن في الليل. لذلك كان يخاف أن يبقى وحيداً وينفرد بنفسه خلال الليل، فأمر حاشيته بالسهر معه خلال الليل. مع مرور الوقت ساءت حالته الصحية والنفسية وإنتشر الخبر بين رعيته. كان هناك كاهن لِمعبد النار في المملكة وكان يطمح في الإطاحة بهذا الملِك والسيطرة على الحُكم، ولذلك عندما علِم بالحالة السيئة للملِك، أراد إستغلال هذه الفرصة لتحقيق هدفه من خلال خطة تعمل على خلق فجوة بين الملِك ورعيته للاستيلاء على الحُكم، فعرض على الملِك طريقة للعلاج والتي كانت هي ارتداء ملابس العفاريت والخروج ليلاً والقبض على الشباب المِهنيين والحِرفيين وقتلهم ومن ثمّ أكل مُخّهم وبهذا العمل يتمّ منع العفاريت من الهجوم على الملِك ويتم القضاء عليهم. هكذا كان الملِك يخرج كل ليلة بِرفقة الكاهِن ويقومان بِقتل شاب وقطع رأسه وتركه في أزقة وشوارع المدينة. إنتشر في أرجاء البلاد خبر قتل الشباب من قِبل العفاريت. في إحدى الليالي، هاجم الملِك والكاهِن رجُلَين أخوَين إسمهما (ناڤدار) الذي كان حدّاداً و (گوهدار) الذي كان حائكاً، فإستطاعا قتل أحد الأخوَين وهو (گوهدار)، إلا أن الحدّاد (ناڤدار) أنقذ نفسه من قبضتهما، حيث أنه كان يتمتع بِسُمعة حسنة ين الناس، فخرج الى الشوارع وإستطاع جمع أعداد كبيرة من الناس وكسبهم الى جانبه، فبدأوا بالهجوم على قصر الملِك، فنجحوا في قتل الملِك والكاهِن معاً. بعد القضاء على هذا الملِك الظالِم، تمّ تنصيب (ناڤدار) ملِكاً على عرش المملكة وتمّ إشعال النيران لإنارة المملكة، إحتفالاً بالنصر وأصبح ذلك اليوم يوم نوروز الكوردي. 3. رواية أخرى تذكر أن الملِك (جمشيد) الذي كان ملِكاً عادلاً، تمّ قتله من قِبل شخص إسمه (أژدهاك) وإستلم حُكم المملكة. لغدره بالملِك، عاقبه الإله، فأُصابه مرض غريب، إستعصى على الأطباء علاجه. تدخّل الشيطان في الأمر، فأوصى بِعلاج (أژدهاك) بِمُخَي شابَين كل يوم. كان كل من (أرمائيل) و(كرمائيل) مسؤولَين عن إحضار الأدمغة البشرية ودهن المنطقة التي كان يشعر الملِك بالألم فيها من جسده. كان هذان الشخصان عطوفَين ورحيمَين ولذلك أخذا يستبدلان الأدمغة البشرية بأدمغة النعاج وسمحا للشباب بالهروب إلى الجبال. تكاثرت أعداد الشباب في الجبال وشكّلوا فيما بعد النسل الكوردي، حيث برز بينهم شخص إسمه (فريدون)، الذي كان قد تمّ قتل والده وتقديم مُخّه لعلاج الملِك، فقام (فريدون) بِتشجيع الناس على الثورة، حيث قام بِتنظيمهم وقيادة الثورة التي أعلنوها ضد الملِك الشرّير، فإستطاعوا القبض على الملِك (أژدهاك)، فربطوه بالسلاسل وجرّوا الملِك إلى جبل (دنياوند)، حيث أبقوه هناك ومنعوا عنه الطعام والماء، فمات هناك وأصبح طعاماً للحيوانات المفترسة والطيور الجارحة. بعد ذلك جلس على العرش الملِك (فريدون)، حيث نزل الناس من الجبال وعادوا إلى قراهم ومدنهم وبدأوا بتعمير ما خرّبه الملِك المستبد وبدأت بذلك حياة جديدة لهم وأشرقت شمس يوم جديد في حياة سكان المملكة، وأصبح ذلك اليوم المشرق السعيد يوماً جديداً للشعب الكوردي، يوم نوروز الذي أصبح رمزاً للتحرر من الطغاة ويوم رأس السنة الكوردية الجديدة وبدء التقويم الكوردي. 4. رواية رابعة تخبرنا أنه كان هناك ملِك ظالم إسمه (ضحاك) الذي كان إنساناً فاسقاً. أُصيب هذا الملِك بمرضٍ غريب، حيث كان تنتابه بين حين وآخر نوبة مرضية، وعند تعرضه للنوبة، كان لا يستطيع النوم ولا تهدأ روحه إلا بِمُجامعة فتاة من فتيات مملكته، فيُجامعها وثم يقتلها، فتهدأ نوبته المرضية. لذلك دبّ الذعر والخوف في كافة أرجاء المملكة، فترك الكثيرون من سكان هذه المملكة مدنهم وقراهم وصعدوا الى الجبال ببناتهم لإنقاضهن من الإغتصاب والقتل. جاء دور إبنة حدّاد، كان إسمه (كاوا) أن يُقدم إبنته التي كان إسمها (نوروز) للملِك الفاسق، فرفض الوالِد والبنت ذلك. توصّل (كاوا) الحداد الى خدعة لإنقاذ إبنته وبنات شعبه من الإغتصاب والموت، فإرتدى ملابس نسائية ليوعِز للملِك أنه إبنته (نوروز)، فذهب الى قصر الملِك الظالم وقام بقتله بمطرقته، ثم أشعل النيران معلناً الخلاص من هذا الملِك الظالم ونادى الناس الفارين إلى الجبال بالعودة الى منازلهم وقراهم وبلداتهم ومدنهم والبدء بحياتهم الإعتيادية من جديد وأصبح يوم القضاء على هذا الملِك الفاجر يوماً جديداً، يوم نوروز.