القضية الكردية بين التاريخ والراهن: من حسن خيري إلى عبد الله أوجلان

الكاتب: بيوراسب


تُعدّ القضية الكوردية من أكثر القضايا تعقيدًا في الشرق الأوسط، إذ تمتد جذورها إلى ما بعد انهيار الدولة العثمانية، حين تم تقسيم أراضي كوردستان بين أربع دول دون منح الشعب الكوردي حقه في تقرير المصير. ومنذ ذلك الحين، خاض الكورد نضالات طويلة من أجل الاعتراف بهويتهم وحقوقهم، غالبًا ما قوبلت بالقمع والإنكار، خصوصًا في تركيا التي تضم أكبر عدد من الكورد.
في هذا السياق، برزت شخصيتان تاريخيتان: حسن خيري، أحد قادة انتفاضة الشيخ سعيد عام 1925، الذي أُعدم على يد مصطفى كمال أتاتورك بعد محاكمة سياسية، وعبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، الذي قضى أكثر من عقدين ونيف في السجن، قبل أن يُسمح له مؤخرًا بإلقاء كلمة عبر رسالة نُقلت إلى البرلمان التركي، دعا فيها إلى “مرحلة إيجابية جديدة” و”إدماج القضية الكوردية في الإطار القانوني للجمهورية” .
أوجلان يكرر الدور… ولكن في زمن مختلف
رغم الفارق الزمني الذي يفصل بين الشخصيتين، فإن أوجلان يُعيد تمثيل الدور ذاته الذي أدّاه حسن خيري قبل قرن، حين حاول الأخير التفاوض مع الدولة التركية من أجل حقوق شعبه، فكان الرد بالإعدام. واليوم، ورغم تغير الخطاب التركي ظاهريًا، فإن جوهر السياسة لم يتغير كثيرًا: الاعتراف المشروط، والمراوغة السياسية، والتوظيف المرحلي للقضية الكوردية.
أوجلان، في رسالته الأخيرة، دعا إلى “اتفاق جديد قائم على مفهوم الأخوة”، وهو خطاب تصالحي يحمل في طياته رغبة في الحل، لكنه يتجاهل تاريخًا طويلًا من النكث بالوعود، والتصفية السياسية، والتهميش الممنهج. إن المقارنة بين خيري وأوجلان تكشف عن نمط متكرر: كلما اقترب الكوردي من الدولة التركية بخطاب سلمي، تم استغلاله ثم إقصاؤه.
الخيارات المطروحة… والثقة المفقودة
اليوم، يقف الشعب الكوردي أمام مفترق طرق: إما القبول بحلول تركية مشروطة، غالبًا ما تكون مؤقتة وغير مضمونة، أو التمسك بحق تقرير المصير كما أقرّته المواثيق الدولية، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وميثاق الأمم المتحدة. إن تجربة حسن خيري، ثم تجربة أوجلان، تُظهر أن الثقة بالدولة التركية دون ضمانات دولية واضحة، قد تكون مقامرة خاسرة.
إن القضية الكوردية ليست مجرد ملف داخلي تركي، بل قضية شعب يسعى للحرية والكرامة. وبين حسن خيري الذي أُعدم، وأوجلان الذي يُستغل خطابه، تتكرر المأساة. وعلى الشعب الكوردي أن يتعلم من التاريخ، وألا يثق بوعود لا تحمل ضمانات، ولا تُبنى على اعتراف حقيقي بحقوقه القومية.