التغيير الديموغرافي ودورالكويت وقطر في بناء المستوطنات بمدينة عفرين

كانت قطر أول دولة عبَّرت عن دعمها الكامل للغزو التركي لعفرين، وكانت فريدة في موقعها بين الدول العربية الأخرى. كما واصلت تمويل ميليشيات الجيش الوطني السوري التابع لتركيا وإعادة توطين التركمان وعائلات المسلحين الموالين لها، من خلال أنشطة جمعيات الإخوان المسلمين التي تعزز خطط التتريك والتعريب القذرة لتغيير الهوية الديموغرافية والثقافية والسياسية والدينية لمنطقة عفرين الكُردية.

لقد دفعت قطر الكثير من الأموال والجهود لتشجيع بناء المستوطنات في عفرين، من خلال تقديم الإغراءات والمساعدات المالية للراغبين في الاستقرار في المنطقة الكُردية المحتلة، وخاصَّة من خلال “النظام القطري لإعادة الأمل للأرامل” التي تعمل على برنامج لتشجيع زواج الأرامل، والذهاب إلى المخيمات وتوزيع منشورات، وإعداد قوائم لمن يرغب في الزواج من أرامل.

النظام القطري يتكفل بكافة نفقات الزواج، ولا يتعيَّن على مقدَّم الطلب سوى تأمين منزل أو ما يسمى بـ”المنزل الشرعي”، والذي بموجبه يحصل طالب الزواج من أرملة على /3000/ دولار أمريكي (وهو المبلغ المُتاح للمستوطنين بعد الاستيلاء على منازل الأكراد ومصادر رزقهم)، وكذلك تخصيص راتب شهري يبلغ حوالي /200/ دولار أمريكي للأرملة. وبحسب العرض القطري؛ ستعمل مجالس الاحتلال المحلية على تنظيم قوائم يقدمها النظام القطري لتسجيل أسماء الراغبين في الزواج من الأرامل.

تمنح جمعية “عطاء بلا حدود” القطرية مساعدات حصرية للمستوطنين القادمين من الغوطة وحمص ودير الزور، ومبلغ خمسين دولاراً لكل عضو من عائلة المستوطِنين شهرياً؛ لتشجيعهم على التوطين في عفرين.

كما تقوم بتزويد المستوطِنين بشكل دوري بالسِّلال الغذائية، بينما تمتنع عن توفير السِّلال الغذائية للسّكان الكّرد والعرب من أهل المنطقة.

إعادة توطين التركمان في عفرين

تنشط جمعيات ومنظمات التركمان برعاية تركية في عفرين لقيادة عمليات إعادة توطين واسعة النطاق في عفرين.

منذ بداية الغزو التركي للمنطقة؛ نظم ما يسمى بـ”مجلس التركمان السوريين” لقاءات دورية  بتركمان قدموا من حماة وحمص ودمشق والجولان إلى عفرين، مثل ميليشيا “الظاهر بيبرس” المكوَّنة من “تركمان هضبة الجولان”، وميليشيا “الفرقان” التي تضم مسلحين تركمان من المنطقة الوسطى، وذلك في سبيل دعمهم وتوطينهم.

يُشار إلى أن العديد من العرب السنة الذين لا يعرفون حتى كيف يتحدثون التركية؛ يزعمون أنهم تركمان لجذب انتباه وتعاطف الأتراك الذين قاموا فيما بعد بتجنيدهم في مهام المرتزقة ضد الكُرد ولصالح المصالح التركية في الخارج.

في منتصف شهر سبتمبر/ أيلول 2019، قام وفد ممّا يسمى بـ “حزب النهضة التركماني السوري” بزيارة المسلحين من فصيل “السلطان محمد الفاتح” وقرى عفرين التي نزح سكانها الكُرد بشكل كامل، ومن ثم مُنعوا من العودة إلى ديارهم، وأُعيد توطين التركمان في منازلهم، خاصة في بلدة “بلبله/ بلبل” التي تم توطين /١٤٠٠/ عائلة تركمانية في بيوت الكُرد المرحَّلين قسراً.

لقد استثمرت أنقرة في تلفيق “قضية تركمان سوريا” في السنوات الأخيرة، وعملت على تشكيل “هوية وطنية” لهم في مواجهة تنامي دور الكُرد وقضيّتهم في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، حتى تحوَّل التركمان إلى مخلب للقط التركي.

بعد احتلال منطقة عفرين، أُعيد توطين نازحي التركمان من حلب واللاذقية وحمص في قرى كردية في عفرين، وَسَعَت أنقرة إلى إقامة مستوطنات لهم على شكل مجمعات سكنية في ريف عفرين.

وفي تقرير نشره موقع “بلادي” المعارض بتاريخ 29/7/2018، طالب قادة الفصائل التركمانية بالتوجه إلى قرى عفرين، معلنين عن وعودٍ قطعتها شخصيات في “المجلس الأعلى للتركمان” بحلهم محل الكُرد في قرى تم تهجير الكُرد منها قسراً.

نشط التركمان في عفرين وافتتحوا فيها مقراً لما يسمى “المجلس الأعلى لتركمان سوريا”، بالإضافة إلى عمل منظمات تعمل تحت مسميات “الإغاثة” لتشجيع التركمان ومساعدتهم على الاستقرار في المنطقة الكردية.

في 3/3/2020 اتَّهمت وزارة الدفاع الروسية، ولأول مرة، عبر رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا اللواء “أوليغ جورافلوف” سلطات الاحتلال التركي بإعادة توطين التركمان في المناطق التي هُجِّرَ الكُرد منها، مما أدى إلى تغيير جذري في التركيبة الديموغرافية لمناطق شمال سوريا.

 في مارس/ آذار 2018، قامت ميليشيات تركمانية، وتحت أنظار الجيش التركي، بنهب مدينة عفرين، وكان التركمان أول من انتهزوا الفرصة للاستيلاء على أفضل منازل الكُرد وممتلكاتهم، وفق مخطّطات تركية مدبَّرة مسبقاً.

على سبيل المثال، قامت ميليشيا “السلطان مراد” في أواخر مارس وأوائل أبريل 2018 بنقل مئات عائلات مقاتليها التركمان من منطقة “درع الفرات” إلى ناحية “شرا/ شران”، حيث تم نقل /600/ عائلة نازحة أخرى من مخيم “الببل” إلى الشرق من مدينة إعزاز شرق عفرين، بالإضافة إلى ما يقدر بنحو /1400/ عائلة تركمانية أُعيد توطينها في ناحية “بلبله/ بلبل”.

اليوم؛ تم إعادة توطين التركمان في الغالب في قرى كردية تقع داخل شريط من الأرض يبلغ عمقه /15/ كم على طول الحدود التركية مع عفرين، مما يدل بوضوح على نوايا تركية خبيثة لتشكيل حزام تركماني على طول حدودها مع سوريا لابتلاع تلك الأراضي في المستقبل.

أصدرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الحقوقية تقريراً يوم، الثلاثاء 20 سبتمبر/ أيلول، رصدت من خلاله ضلوع ثلاث منظمات إنسانية، سوريّة ودولية، في عمليات توطين غير قانونية لمقاتلين في “الجيش الوطني السوري”، في مدينة عفرين بريف حلب الشمالي.

وبحسب ما جاء في التقرير، اتفقت منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية” مع فصيل “لواء سمرقند” التركماني التابع لـ”الجيش الوطني” ببناء قرية “الأمل” وتسهيل مهمتها دون التعرّض لها، لقاء حصول مقاتلي الفصيل على 16% من البيوت في المشروع.

وبدأت المنظمة المشروع المصمم لأجل إيواء النازحين داخلياً، عام 2019، في ناحية جنديرس قرب بلدة كفر صفرة، من خلال قطع مئات الأشجار الحراجية، وفق التقرير الذي نشر صوراُ للمنطقة ملتقطة عبر الأقمار الصناعية. وذكر التقرير أن منظمة “شام الخير الإنسانية” وبإشراف من “منظمة الرحمة العالمية” (الكويتية)، أسهمتا إلى جانب منظمة “إحسان” بعملية تخديم جزء آخر من جوانب المشروع، وترغيب النازحين من مناطق سوريّة أخرى بالسكن في تلك القرية.

وتتألف القرية من كتلتين سكنيتين، شرقية وغربية، وتشكّل واحدة من تسع قرى و”مستوطنات بشرية” (على حد تعبير المنظمة)، تمّ البدء في بنائها بعد سيطرة “الجيش الوطني” على منطقة عفرين بدعم تركي عام 2018.

وبُنِيَت جميع تلك القرى غير القانونية، بحسب تقرير “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بموافقة من المجلس المحلي في عفرين بناء على توجيهات من والي ولاية هاتاي التركية، “رحمي دوغان”، وهو المسؤول المباشر عن إدارة المنطقة من قبل تركيا.

وأنهت المنظمة تقريرها بأن بناء القرية يمثل انتهاكاً للقانون من قبل جميع الأطراف المذكورة من منظمات وفصائل ومجالس محلية وأطراف تركية داعمة، وحتى النازحين يعلمون أن “العقارات ليست ملكهم”.

قائمة بالمستوطنات التي بنيت في عفرين :

تتكثّف عمليات بناء المستوطنات في منطقة عفرين الكُردية، والمحتلّة من قبل تركيا وجماعات المعارضة السورية المسلّحة، للوافدين العرب السنة والتركمان. و تتوزّع هذه المستوطنات على مدينة عفرين ونواحيها، ويتمّ بناء مستوطَنة غرب مدينة عفرين بين قريتي “ماراتيه/ معراته وكفرشيل” تضمّ /100/ وحدة استيطانية بمساحة /55/ متراً مربّعاً لكلّ وحدة. وفي ناحية “شيراوا”، هناك مستوطنتان، الأولى بالقرب من قرية “باصوفان” الإيزيدية، تضمّ /225/ وحدة سكنيّة، والثانية بالقرب من مقبرة الكُرد الإيزيديين في قرية “شاديره”.

أمّا في ناحية “شرا/ شران”؛ فهناك ثلاث مستوطنات، تقع الأولى في قرية “بافلون” الإيزيدية، وتضمّ /100/ وحدة استيطانية بمساحة /55/ متراً مربّعاً لكلّ وحدة، وقد بُنِيَت بإشرافٍ تركي مباشر وتمويلٍ قطري، وتقع الثانية بالقرب من قرية “برآفا/ بعرافا”، وتضمّ /125/ وحدة استيطانية بمساحة /55/ متراً مربّعاً لكلّ وحدة، في حين تقع الثالثة بالقرب من قرية “متينا”، ولكن أعمال البناء فيها متوقّفة. في ناحية “بلبله/ بلبل”؛ هناك ثلاث مستوطنات، تقع الأولى في قرية “خلالكا/ صولاقلي”، وتضمّ /135/ وحدة استيطانية بمساحة /55/ متراً مربّعاً لكلّ وحدة، وتقع الثانية بالقرب من قرية “قسطل خضريا”، وتضمّ أيضاً /135/ وحدة استيطانية بمساحة /50/ متراً مربّعاً لكلّ وحدة، في حين تقع أكبرها في قرية “قسطل مقداد”، وتضم /250/ وحدة استيطانية بمساحة /55/ متراً مربّعاً لكلّ وحدة. وفي ناحية “راجو”، هناك مستوطنتان كبيرتان، تقع الأولى في “ميدان أكبس”، وتضمّ /225/ وحدة استيطانية، بمساحة /48/ متراً مربّعاً لكلّ وحدة استيطانية، في حين تقع الثانية بالقرب من قرية “عتمانا/ عطمانا”، وتضمّ /100/ وحدة استيطانية بمساحة /48/ متراً مربّعاً لكلّ وحدة استيطانية. وفي ناحية “جنديرس، هناك أربع مستوطنات، تقع اثنتين منهما في منطقة “جبل محمد” (ويُسمى في المنطقة جبل قازقلي) وتتضمّن /247/ وحدة استيطانية بمساحة /55/ متراً مربّعاً لكلّ وحدة، وأُطلق على التجمّع الاستيطاني اسم “قرية بسمة”، وتقع الثالثة في منطقة جبلية بالقرب من قرية “تتارا”، وتضمّ /100/ وحدة استيطانية بمساحة /55/ متراً مربّعاً لكلّ وحدة، أمّا الرابعة، وهي واحدة من أكبر المستوطنات، فتقع بالقرب من قرية “تل سلور/ تسلور” و”المحمدية”، وتضمّ /200/ وحدة استيطانية بمساحة /48/ متراً مربّعاً لكلّ وحدة. وفي ناحية “شيه/ شيخ الحديد”، هناك ثلاث مستوطنات، تقع إحداها شمال البلدة على طريق قرية “قرمتلق”، وتضمّ /200/ وحدة استيطانية بمساحة /70/ متراً مربّعاً لكلّ وحدة، وتُقام على مساحة تبلغ /40/ دونماً، في حين تقع مستوطنتان بين قرية “قرمتلق” وسهل “سوركه”، وأعمال البناء فيهما متوقّفة الآن. وهناك مستوطنات بنيت قرب قرية “آفرازه/ أبرز” و”كتخ” في ناحية “معبطلي”، وقرية “الخالدية” قرب قرية “خالطا” بمنطقة “شيراوا”.

أوّل مستوطنة بُنيت في منطقة عفرين، منذ مجيء الأتراك، كانت مستوطنة في قرية “بافلون” الإيزيدية، بالإضافة إلى أنّ الوافدين العرب والتركمان يقيمون في منازل الكُرد الإيزيديين ويستثمرون أراضيهم لمصلحتهم، في حين لا يُسمح لأصحاب المنازل بالعودة إلى منازلهم مما اضطرّهم للإقامة في قرية “قطمه” المجاورة”.ولا تزال تقدم قطر مشاريع لبناء المستوطنات في مدينة عفرين.

وتشرف تركيا على بناء هذه المستوطنات من خلال منظمة (أفاد) التركية، وبتمويل قطري وكويتي، وهناك جمعيتان تابعتان لتركيا، هما “جمعية الإحسان الخيرية”، و”جمعية العيش بكرامة”، وهاتان الجمعيتان تعملان بإشراف منظمة (أفاد) التركية وتبنيان المستوطنات”. بلغت عدد المستوطنات نحو (26) ستة وعشرين مستوطنه عدا البيوت والمنازل المهاجرين والمستولى عليها من قبل الارهابيين ، بعضها على مرآى من أصحابها .

حتى الأمم المتّحدة تُساهم في تمويل بناء المستوطنات في منطقة عفرين المحتلّة، حيث إنّ جمعية “الأيادي البيضاء” تقوم بتنفيذ المشاريع الاستيطانية في عفرين، وتتلقّى هذه الجمعية مساعدات مالية من /45/ منظمة دولية، بينها الأمم المتّحدة. فقد تلقّت هذه الجمعية، في عام 2019 أي بعد عامٍ من احتلال عفرين، من الأمم المتّحدة مبلغاً مالياً مقداره ستّة ملايين وسبعمئة وعشر دولارات، وفي عام 2020، تلقّت من الأمم المتّحدة مبلغاً مقداره سبعة ملايين ومئتي وثلاثة عشر ألف دولاراً”.

وكان مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) قد أورد في تقريره السنوي حول المساعدات الإنسانية المقدّمة إلى سوريا، تفاصيل المبالغ المقدَّمة من قبله إلى هذه المنظّمة، التي يتّهمها نشطاء حقوقيون من عفرين بضلوعها في عمليات التغيير الديمغرافي الممنهج ضد الكُرد أبناء المنطقة الأصلاء.

المصدر : MP